حقيقة علم الابراج والتاروت | يوسف محمد

هل تساءلت يومًا: لِمَ يؤمن كثير من الناس بالعلوم الزائفة مثل علم الابراج وأوراق التاروت؟


نعم، تلك تُعد من العلوم الزائفة، إذ يُقال عنها إنها تكشف المستقبل وتتنبأ به. والغالبية العظمى من المؤمنين بها هم من النساء.


دعني أقول لك إن خطورة هذه العلوم لا تكمن في تحريمها فحسب، بل في كون الإيمان المفرط بها يؤدي إلى نتائج سلبية مدمّرة، إذ قد تتحول حياة الإنسان بسببها إلى جحيمٍ حقيقي.


وسنتحدث اليوم عن اثنتين منها فقط، هما الابراج والتاروت، وسأوضح لك سبب اختياري لهذين المثالين تحديدًا.


العلوم الزائفة

تُعد العلوم الزائفة كثيرة ومتنوعة، مثل قراءة الكف، والودع، والتنجيم، وتوقعات الابراج، وعلوم الطاقة البشرية، والعلاقة المزعومة بين تلك العلوم وأوراق التاروت.

ولكن، هل يصح أصلًا أن نُطلق على هذه الممارسات كلمة علم؟


دعنا نبدأ أولًا بتوضيح الفرق بين العلم الحقيقي والعلم الزائف.


العلم الحقيقي هو رحلة البحث عن الحقيقة من السؤال إلى الإجابة، عبر المنهج العلمي. والمميّز في هذا المنهج أن نتائجه تتكرر كلما أُعيد تطبيقه بالطريقة ذاتها، فيُعطي دائمًا النتيجة نفسها.


لكن، إن كانت النتائج ثابتة، فكيف يصل العلماء إلى نظريات جديدة مختلفة في كل مرة؟


للإجابة عن هذا السؤال، لا بد أن نُدرك أولًا مراحل المنهج العلمي، وهو الفارق الجوهري بين العلم الحقيقي والعلم الزائف.


المنهج العلمي

المنهج العلمي هو الطريق المنطقي للوصول إلى الحقيقة عبر خطوات دقيقة وقابلة للتحقق. ويمكننا تلخيصه في خمس مراحل رئيسة:

  1. الملاحظة: يلاحظ العالم ظاهرة ما أو حدثًا يثير انتباهه.
  2. طرح السؤال: يبدأ بالتساؤل عن سبب حدوث هذه الظاهرة.
  3. الفرضية: يضع العالم افتراضًا أو أكثر لتفسير ما لاحظه.
  4. التجربة: يُجري اختبارات للتأكد من صحة فرضياته.
  5. تحليل النتائج: يجمع البيانات الناتجة عن التجارب ويحللها ليستنتج الإجابة النهائية.


ولكي يتضح الأمر، دعنا نأخذ مثالًا عمليًا.


جلس نيوتن يومًا تحت شجرة، فسقطت تفاحة على رأسه. هنا لاحظ الظاهرة (السقوط) وهذه هي المرحلة الأولى.


ثم سأل نفسه: لِمَ سقطت التفاحة نحو الأسفل؟ وهذه هي المرحلة الثانية.


بدأ بعد ذلك بالبحث والدراسة ووضع الفرضيات، المرحلة الثالثة.


ثم جرّب تلك الفرضيات وأجرى تجاربه وجمع بياناته، المرحلة الرابعة.


وأخيرًا حلّل النتائج حتى توصّل إلى قانون الجاذبية، المرحلة الخامسة. وبهذا الأسلوب العلمي اكتشف نيوتن واحدة من أعظم الظواهر في الكون.


وهنا نصل إلى الفرق الجوهري بين العلم الحقيقي والعلم الزائف:

العلم الحقيقي يعتمد على المنهج العلمي، أما العلم الزائف فلا يعتمد على أي منهج منطقي، بل يقوم على الحدس والتخمين والتضليل.

دائرة الضوء

ربما تتساءل: ما سبب اختياري للأبراج والتاروت من بين سائر العلوم الزائفة؟


الإجابة تكمن في ما يُعرف بدائرة الضوء، وهي مزيج خرافي يجمع بين أوراق التاروت، وعقيدة العناصر الأربعة لدى الإغريق، والابراج الاثني عشر.


يرى المنجّمون أن دائرة الضوء تمثّل رحلة الإنسان من ميلاده إلى تنويره، وأن كل ورقة من أوراق السر الأعظم في التاروت، وعددها 22 ورقة، تقابل برجًا من الابراج الاثني عشر.


لكنّ هذا التناقض العددي وحده — اثنان وعشرون مقابل اثني عشر — يُعد دليلًا قاطعًا على زيف الفكرة بأكملها.


ويزعم المنجّمون أن للدائرة مفتاحين:

  • المفتاح الذهبي وهو التنجيم (الابراج).
  • المفتاح الفضي وهو التاروت.


وسنحاول اليوم أن نكتشف معًا: هل لتلك الدائرة وجود حقيقي أصلًا؟


الابراج

الابراج
الابراج

علم التنجيم أو ما يُسمّى اليوم، الابراج، هو محاولة لربط مواقع النجوم بحياة البشر.


وقد بدأ هذا الاعتقاد في عهد البابليين القدماء، الذين استخدموا مواقع النجوم لتحديد الفصول ومواسم الزراعة.


لكنهم لاحظوا خمسة أجرام سماوية تتحرك بخلاف النجوم الأخرى، فظنّوها آلهة تدور حول الأرض، والتي اعتبروها في ذلك الوقت مركز الكون بأسره.


ومن هنا نشأ ربط الكواكب بالآلهة، ثم تطوّر إلى التنجيم وتوقع الحظ والمصير.


قسم البابليون السماء إلى ثمانيةٍ وثمانين برجًا، إلا أن أشهرها اثنا عشر برجًا، استقرّت عليها فكرة الابراج الحالية، إذ اعتقدوا أن الشمس تمكث في كل برج شهرًا واحدًا.


غير أن هذه الاعتقادات لا تستند إلى أي أساس علمي، إذ تخالف المنهج العلمي تمامًا.


كما لاحظ العلماء في العصر الحديث أن تنبؤات الابراج عامة وغامضة للغاية، تنطبق على أي شخص، وهو ما يُعرف في علم النفس بـ تأثير بارنوم (The Barnum Effect).


وقد طوّر الإغريق هذه الفكرة لاحقًا، فربطوا الابراج بالعناصر الأربعة التي اعتقدوا أنها تكوّن المادة: الماء، والنار، والهواء، والتراب، وجعلوا لكل عنصر صفات محددة، ثم وزّعوا الابراج عليها.


لكن مع مرور الزمن، اكتُشف أن خريطة الابراج تغيّرت تمامًا منذ عهد البابليين، وأن مواعيد الابراج غير دقيقة إطلاقًا، إذ إن بعضها لا يمتد شهرًا كاملًا، بل قد يستمر أسبوعًا أو أكثر من أربعين يومًا.


وهذا وحده كافٍ لإثبات زيف هذا العلم، وابتعاده عن الحقيقة بالكامل.


التاروت

التاروت
اوراق التاروت

تخيّل أن يأتيك شخص فيقول إنه يستطيع أن يرى مستقبلك من خلال أوراقٍ يمسكها بيده!

ذلك ببساطة هو ما يُسمّى بـ اوراق التاروت.


تتكوّن اوراق التاروت من 78 ورقة، منها 22 تُعرف باسم مجموعة السر الأعظم، و56 تُسمّى بمجموعة السر الأصغر.


ويزعم قارئ التاروت أنه يمتلك قدرة على استقبال طاقتك الشخصية عبر تلك الأوراق ليستشفّ ماضيك ومستقبلك.


لكن هل هذا ممكن حقًا؟ بالطبع لا.


صحيح أن الطاقة مفهوم علمي حقيقي، كالضوء والحرارة، لكنّ ما يُسمّى بـ علوم الطاقة البشرية، مثل البرانا، والريكي، والجذب الكوني، هي في حقيقة الأمر، علوم زائفة لا أساس لها.


وهذه المعتقدات تُستخدم بكثرة في قراءة التاروت.


الأسوأ من ذلك أن اوراق التاروت القديمة كانت تحمل رموزًا وطلاسم يُزعم أنها تُستخدم للتواصل مع الشياطين.


وقد أكّدت ذلك دورين فيرتشو، وهي إحدى مصمّمات اوراق التاروت الحديثة، في أحد مقاطعها المصوّرة على موقع يوتيوب.


بل إن الورقة رقم (15) تُسمّى صراحة ورقة الشيطان! فهل يمكن أن تكون وسيلة كهذه مشروعة أو صادقة؟ بالطبع لا.


ويُقال إن اسم (التاروت)، ما هو إلا مقلوب كلمة (التوراة)، في إشارةٍ رمزية تهدف إلى تحريف معنى كتابٍ سماويٍ مقدّس، وهو دليل آخر على عبثية تلك اللعبة.


تاريخ اوراق التاروت

ظهرت أوراق التاروت لأول مرة في أوروبا في القرن الرابع عشر، ثم طوّرها الإيطاليون وأضافوا إليها عام 1430 اثنتين وعشرين ورقة تُعرف باسم مجموعة السر الأعظم، منها ورقة الأحمق الشهيرة.


كانت هذه الأوراق تُسمّى في الأصل أوراق النصر، ولم تكن تُستخدم للعرافة، بل للّعب فقط، وقد قُسّمت إلى أربع مجموعات:

  1. السيوف (وترمز إلى الهواء والمحاربين والنبلاء).
  2. العِصي (وترمز إلى النار ورجال الدين والسلطة الروحية).
  3. الكؤوس (وترمز إلى الماء ورجال الكنيسة).
  4. العملات (وترمز إلى الأرض والعمال).


وفي عام 1540 صدر أول كتاب يتحدث عن استخدام التاروت في العرافة، ثم في عام 1781 زعم أحد المنجّمين أن هذه الأوراق تعود إلى الكهنة المصريين القدماء، ومن هنا تحولت تلك اللعبة من مجرد لعبة للتسلية، لأداة للتنجيم.


وفي القرن العشرين، تحديدًا عام 1944، نشر الساحر أليستر كراولي كتابه The Book of Thoth، ربط فيه بين التاروت والحضارة المصرية القديمة، وكان معروفًا بانحرافه الديني واستخدامه الرموز الشيطانية.


وفي عام 1909 صمّمت الفنانة البريطانية باميلا كولمان سميث مجموعة جديدة من أوراق التاروت بالتعاون مع الشاعر آرثر وايت، تميّزت برسوماتها الرمزية الغنية، وسُمّيت مجموعة رايدر–وايت–سميث، وهي الأشهر حتى اليوم.


أمثلة على اوراق التاروت

تغيّرت الرموز والدلالات مع مرور الوقت، حتى أصبحت الأوراق اليوم مليئة بالمغالطات الدينية والرمزية، مما يدل على طابعها العبثي البحت، على سبيل المثال:

  • ورقة الأحمق (الصفر): كانت تمثل في البداية على أنها شاب ساذج، أما اليوم فأصبحت تُعد الورقة الأهم في المجموعة، وتمثّل بداية الرحلة في معتقداتهم.
  • ورقة الساحر (الأولى): كانت قديمًا تُصوّر مهرّجًا يؤدي ألعابًا بسيطة، ثم تحوّلت لاحقًا إلى رمز للقوة والسيطرة، وقد زُعم أن طاولته ترمز إلى مائدة العشاء الأخير، وهو ادعاء يجافي العقل والمنطق.
  • ورقة البابا: كانت تُجسّد رجل دين يرمز إلى الكنيسة، لكنها أصبحت ترمز في النسخ الحديثة إلى المعرفة المقدسة والسلطة الروحية.


الخاتمة

في نهاية المطاف، يتّضح أن كل هذه الممارسات — من الابراج إلى التاروت — لا تمتّ إلى العلم بصلة، بل هي خرافات وأوهام.



تقوم على التلاعب بالعقول واستغلال حاجة الإنسان إلى الأمل واليقين. فكل ما يُقال عنها من تنبؤات أو طاقات أو أسرار، إنما هو باطل لا أصل له، وقد نهى الدين والعقل عنه صراحة.


والآن تابعني من هنا.

ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق