التار يا صديقي من أسوأ عادات صعيد مصر على الإطلاق، والآن سوف نتعرف على كل عادات تتقاليد تلك العادة الخطيرة في صعيد مصر.
في محافظة سوهاج في صعيد مصر، تحديداً في شهر أغسطس عام 2002، كانت توجد عائلة كاملة عائدة من المحكمة بعد حكم قضيتها، ولكنها تفاجأت بمجموعة من أفراد عائلة الخصم يوقفوهم على الطريق.
قامت تلك المجموعة بإطلاق النار عليهم، حتى بدأ صوت فارغ الطلقات يعزف الطبول على الأرض، وأطلقوا ما يقارب 150 طلقة، وقتلوا العائلة بالكامل.
22 شخصا تم قتلهم من رجال ونساء وأطفال، ومن كل الأعمار من الأكبر إلى الأصغر، وأصيب فقط 3 أشخاص، ذلك الطريق يدعى طريق بيت علام، وتلك الحادثة لقبت بـ مذبحة بيت علام.
المقدمة
في صعيد مصر، تنتشر العديد من الأقوال المشهورة عن موضوع التار، مثل:
- الثأر يغسل العار
- الثأر ولا العار
وهذه الأقوال كلها تؤكد أن التار في صعيد مصر، يتعاملون معه على أنه حكما دينيا شرعيا، وهذا يخالف تماما رأي الإسلام، لأنه ليس قصاصا، ولا يشبه القصاص في أي شيء.
ولكن علينا أن نعرف أن التار هو أخطر وأقدم وأسوأ عادة في صعيد مصر بالكامل وقصته تمتد لأجيال، وسوف نتعرف عليها الآن.
ما هو التار ؟
![]() |
| قرية بيت علام في صعيد مصر |
التار هو عبارة عن ثقافة موروثة منذ دهر بعيد، حتى أنك لو سألت أي شخص من صعيد مصر اليوم هذا السؤال:
منذ متى يوجد الثأر في الصعيد؟
ذلك الرجل لن يعطيك جوابا صريحا، لأنه قد لا يعرف الإجابة. ولكن دعني أخبرك بالإجابة.
بعض الناس تقول إن التار موجود عند العرب منذ أيام الجاهلية، والدليل على ذلك هي حرب البسوس، كما يقال أيضاً أن العرب هم من نقلوا عادة التار إلى المصريين مع بداية الفتح العربي في القرن السابع.
كما أن أكثر الناس تمسكا بهذه العادة كانوا أهل الريف، والسبب في ذلك هو أن أهل الريف رأوا أن الرجل الذي يعيش في الصحراء عند العرب والمتمسك بعادة التار، يملك شخصية قوية وشجاعة قاتلة، ولذلك حاول أهل الريف أن يتمسكوا بعادات العرب، وبالأخص عادة التار.
أما الرأي الثاني، فيقول إن الثأر موجود عند المصريين منذ أيام قصة حورس وست، ولا يزال الأصل الحقيقي مجهولا. فما الحل في هذه المعضلة التاريخية؟
ولكن في نهاية المطاف، اتفق الجميع على أن التار هو عدوان بعدوان أو قتل بقتل، لكنهم يسمونه قصاصا، وهذا خطأ فادح. فهل تعرف ما الفرق الحقيقي بين القصاص والتار؟
الفرق بين القصاص والتار
القصاص هو تنفيذ أحكام الله، وهي الأحكام المذكورة في القرآن والسنة، مثل عقوبة القتل وغيرها، والمسؤول عن تنفيذ مثل تلك العقوبات هي الحكومات. أما التار مختلف كليا!
التار في صعيد مصر، هو القتل بالقتل أو رد العدوان بعدوان، ولا صلة له بالدين أو بأحكام الله. لكن أثناء بحثي دار في عقلي سؤال مهم: ما السبب الذي قد يجعل التار يحدث أصلا؟
أسباب التار
التار الذي قد يمتد لأجيال ويتسبب في كوارث لعائلات وضحايا لا تعد ولا تُحصى، قد يبدأ لأسباب لا يمكن اعتبارها أسباب من الأساس، ولكن دعني أذكر لك مثال.
بعض الصراعات الثأرية تحدث لأسباب يمكن اعتبارها منطقية، ولكنها ليست مبررا شرعيا، مثل القتل بالخطأ أو مشاجرة متعمدة، أو عندما يتدخل شخص لإيقاف عراك أو صراع فيُقتل، هنا يصبح ذلك الشخص له تار.
ولكن كيف يمكن أن ينشأ تار بسبب سبب ضعيف للغاية؟!
في قرية كوم هتيم بمحافظة قنا، حدث صراع ثأري ازهق 17 قتيلا، والسبب كان كرت شحن فقط! والأسوأ من ذلك أنها ما زالت قائمة حتى اليوم! ايعقل هذا؟!
وقد تظن من تلك المعلومات والحوادث، أن التار يعني أنه يمكن لأي شخص أن يقتل أي شخص دون قواعد، ولكن دعني أخبرك أنه لا بالطبع، التار له قواعد صارمة، بل هو حرب كاملة يا صديقي!
قواعد التار
![]() |
| إحدى قرى صعيد مصر |
أي تار بين عائلتين يخضع لقواعد محددة ومنظمة، لأن بعض الحوادث قد تتخطى حدود الجنون، بحيث تُباد عائلة بالكامل من طرف عائلة أخرى، أتصدق هذا؟!
ولكن يا صديقي، هذه القواعد فقط تحاول ضبط الأمور مع الحفاظ على هيبة الرجال والعادات. وخاصة التار، والآن دعني أخبرك ما هي تلك القواعد:
- التار لا يُؤخذ إلا من رجل صحيح قادر على حمل السلاح، ولا يجوز قتل النساء أو الأطفال، لأن ذلك يعد عارا.
- كما أن بعض القتلى لا يُؤخذ لهم تار، مثل من قُتل أثناء السرقة أو من انتهك عرضا أو حرمة بيت.
- أيضاً العائلة التي تبلغ الشرطة عن تارها تأخذ لقب العار مدى الحياة، لأنها لم تستطع أخذ تارها بنفسها، وهربت.
- ومن يموت بسبب التار لا يُقام له عزاء حتى يُؤخذ بتاره، وفي أغلب الأحيان يجب أن يُقتل أحد أكبر رجال العائلة الأخرى، مثلما حدث في مذبحة بيت علام، وسوف نسردها بالكامل بعد قليل.
- بعض العائلات لا تأخذ تارها بنفسها، إما لعدم امتلاكها سلاحا أو رجال، فتلجأ إلى حل سحري آخر، وهو تأجير قاتل مأجور لأخذ تارها مقابل المال، إنها حقا حرب بالكامل!
- ما يثبت حرمانية التار أكثر، أنه حتى إذا أُلقي القبض على القاتل وحُكم عليه، فهذا لا يسقط التار، فلا بد أن يُقتل كما قتل، مهما مر العمر.
- التار ليس حدثا مؤقتا، بل قد يستمر لأجيال، وكأنه حرب مستمرة لا تهدأ، كما أنه في غالبية الأمر تُخطط له العائلات الكبيرة بعناية، فيضع الشيوخ الخطط وينفذ الشباب، بينما يكون للنساء حدث محوري سنتحدث عنه لاحقا.
- وأي عائلة تأخذ بتارها، يُسمى أول طفل يولد فيها باسم القتيل، تخليدا للانتقام.
- ولأن التار يشبه الحرب، فكل عائلة تنشئ صندوق كفالة تشارك فيه لدعم أسر القتلى وشراء الأسلحة، وغالبا ما تكون مرخصة، لتظل العائلة جاهزة لأي صراع ثأري جديد.
لماذا تُعتبر النساء عنصرا مهما في هذه العادة؟
دور النساء في التار
المرأة يا صديقي، تحرك أهم حدث محوري في صراع التار بالكامل، وهو بداية التار، وهي تستخدم سلاحين قويين لها، وهما الكلام والمقاطعة.
الطريقة الأولى تبدأ بضغط رجال العائلة لتأخذ بتارهم، وقد تمتنع عن كل مظاهر الفرح أو الرفاهية حتى يتحقق التار.
النساء في صعيد مصر يعتبرن التار رمزاً للكرامة والرجولة، وكلامهن قد يدفع الرجل للقتل فقط ليثبت نفسه أمامهن، خاصة النساء الكبيرات اللواتي يملكن تأثيرا شديدا، وسحرا غريبا.
ولكن مع الوقت ظهرت مقاومة نسائية لهذه العادة، مثل صفاء عسران، أول قاضية عرفية في قنا، وهي قاضية متخصصة فقط في حل أزمات التار، وتتواجد على الساحة بشراهة منذ سنة 2013، بعد حضورها جلسة صلح كبيرة مكنتها من فهم القضية بعمق.
وأيضا أماني أبو سحلي، مؤسسة مبادرة "صعيد بلا ثأر" النسائية، التي بدأت بعد مقتل ابنها عام 2013 في نزاع بين عائلتين، حيث أُطلق عليه 70 رصاصة وهو في السادسة عشر من عمره.
أماني رفضت أن تؤدي دور المرأة الاعتيادي في التار، وانتظرت حتى تم الصلح بين العائلتين، ثم أسست المبادرة عام 2018 لإقناع النساء بأن التار جريمة وليس كرامة، ونجحت في حل 8 نزاعات ثأرية خلال عام واحد فقط.
لكن لماذا ترفض بعض النساء الصلح؟ لأنهن يعتبرنه إذلالا، فالصلح في صعيد مصر، يتطلب أن يقدم صاحب التار كفنه للعائلة الأخرى، وهو ما يعد ذلا عظيما، خاصة وأنه يرافقه ذبح أضحية كرمز للتنازل، دعنى أخبرك المزيد عنه.
الصلح هو الحل الوحيد لإنهاء التار، ويكون بقرار من العائلة التي عليها التار أو بواسطة طرف ثالث، ولكن رغم وجود هذا الحل، يظل نادرا جدا لأن أغلب الناس تراه إهانة، فالموت عند أولئك البشر، أهون من تقديم الكفن بالطبع.
كما أن جلسات الصلح متعددة، وتختتم بجلسة كبرى يحضرها جميع أهل القرية أو المحافظة، وتعد هذه الجلسة فقط من أجل تقدمي الكفن. ولهذا يفضل الكثيرون الموت على الصلح.
الجرائم الناتجة عن الثأر
دعني أخبرك يا صديقي، أن نسبة القتل في الصعيد مرتفعة جدا، خاصة في المنيا وسوهاج وقنا وأسيوط.
في آخر 20 سنة فقط، شهدت أسيوط 11 ألف جريمة قتل بسبب التار، وعلى الصعيد الآخر في محافظة قنا، تتجاوز حالات القتل بسبب التار عدد حوادث الطرق، بمعدل كل 35 جريمة قتل ينتج منها 19 حالة بسبب التار.
أما عن مذبحة بيت علام، الخلاف بدأت بخلاف بين عائلتي عبد الحليم والحناشات، وكان الأمر في بدايته عراك، إلى أن سقط فرد من عائلة الحناشات قتيلا، وكان هذا القتيل قد سقط على يد أبو الفتوح عبد العال من عائلة الحلايمة.
تم قبض على أبو الفتوح ثم ثم تم الإفراج عنه لعدم كفاية الأدلة، فانتقمت عائلة الحناشات من تلك العائلة، بقتل كبير عائلة عبد الحليم، همام عبد العليم، في أبريل 2002.
وفي أغسطس 2002، أثناء عودة عائلة الحناشات من المحكمة، نصبت لهم عائلة الحلايمة كمينا وقتلت 22 شخصا وأصابت 3، بعد إطلاق 150 طلقة على العائلة بالكامل!
الخاتمة
التار يا صديقي من أسوأ عادات صعيد مصر على الإطلاق، وكما رأيت، تسبب في مجازر وحوادث مأساوية، لذلك يجب أن ينتهي من مصر عامة ومن صعيد مصر خاصة.
ولا تنسى متابعتي من هنا.


