حقيقة مواقع التواصل الاجتماعي | يوسف محمد
حقيقة مواقع التواصل الاجتماعي | يوسف محمد

على مرّ التاريخ، كان هناك العديد من الأشخاص الذين حاولوا السيطرة على العالم بأسره، مثل يوليوس قيصر والإسكندر الأكبر، وآخرهم وأشهرهم أدولف هتلر، وقد اندلعت بسببهم حروب غيّرت وجه البشرية.

لكن هل تظنّ أن أحدًا اليوم ما زال يحاول احتلال العالم؟ وكيف يمكنه ذلك في زمنٍ لا نسمع فيه عن حرب من حولنا؟ وهل نحن حقًا في حالة حرب؟!

تعال معي لأكشف لك سرًا سوف يجعلك تبصر حقيقة العالم الذي نعيش فيه. ولكن في البداية، لنتفق على أمرٍ في غاية الأهمية، وهو أن أعظم ما يملكه الإنسان، الوقت.

ولذلك احرص عليه كما تحرص على حياتك، ولا تضيّعه في أمورٍ تافهة أو لا تعود عليك بالنفع. تذكّر هذه الجملة جيدًا، لأننا سنحتاجها لاحقًا.

ما هي حروب الجيل الرابع؟

ترى ما المقصود بحروب الجيل الرابع؟ وما الفرق بينها وبين الحروب التقليدية؟

الحرب في تعريفها البسيط هي نزاعٌ مسلّح بين قوتين أو أكثر، ينتج عنه خسائر في الأرواح والموارد البشرية. وتتنوع الحروب بين الأهلية والعالمية، وتُخاض بجيوشٍ ضخمة تمتلك قواتٍ برية وبحرية وجوية وأسلحة نووية وغير ذلك. ولكن حروب الجيل الرابع تختلف تمامًا عن الحروب التقليدية.

إنها حروب غير واضحة المعالم، تختلط فيها الحدود بين المدنيين والسياسيين، فلا يعرف أحد مَن العدوّ الحقيقي ولا كيف يُدار الصراع، أو متى بدأ من الأساس. تُستخدم فيها أساليب كالإرهاب، وتفكيك المجتمعات، وزرع الشكّ، وتستمر لفتراتٍ طويلة ومعقّدة.

ولكي نفهمها أكثر، علينا أن نتحدث عن أهم أداةٍ تُستخدم فيها، وسائل التواصل الاجتماعي. لكن قبل أن نصل إليها، لنأخذ خطوة إلى الوراء... إلى بداية ظهور الإنترنت.

المرحلة الأولى: مواقع التواصل الاجتماعي

حقيقة مواقع التواصل الاجتماعي | يوسف محمد
مواقع التواصل الاجتماعي

ظهر الإنترنت للعالم عام 1991 حين انطلقت الشبكة العنكبوتية العالمية، التي سمحت لأي شخصٍ بتصفح المواقع والوصول إلى المعلومات. ومن المهم أن نعرف أن الشبكة العنكبوتية ليست الإنترنت ذاته، بل هي خدمة ضمن منظومة الإنترنت الواسعة.

وكان الناس يستخدمون الإنترنت في إرسال البريد الإلكتروني، وتبادل الملفات عبر بروتوكولات مثل FTP، والبحث عن العديد من المعلومات والاطلاع عليها. واستمرّ الحال هكذا إلى أن ظهر الوحش الأبدي، وهو مواقع التواصل الاجتماعي.

في البداية، ظهرت منصات كثيرة مثل موقع Six Degrees، لكنها لم تحقق انتشارًا واسعًا مثل فكرة مارك زوكربيرغ التي تحوّلت إلى منصة فيسبوك. وقد غيّر مارك لاحقًا اسم شركته إلى Meta، لأسبابٍ سنتناولها لاحقًا.

بدأت هذه المنصات بشعارٍ بسيط "لنتواصل مع من نحبّهم" وكان الهدف الظاهر نبيلًا، لكن الوجه الخفيّ لم يكن كذلك. فما بدأ كوسيلة تواصل للعالم، تحوّل تدريجيًا إلى أداة تفريقٍ وإدمانٍ وتحكّمٍ بالعقول.

بداية إدمان مواقع التواصل الاجتماعي

كانت المنصات في بداياتها بسيطة، إلى أن ابتكر شخص يُدعى آزا راسكين فكرة التمرير اللانهائي (Infinite Scrolling)، وهي التي جعلت المستخدم لا يتوقف عن التصفح. ومن هنا بدأت رحلة الإدمان.

أصبح وقتك هو السلعة الأغلى. فكلما أمضيت وقتًا أطول، زادت أرباح المنصة. بدأت أعراض الإدمان بالظهور واختلفت، مثل:
  • الاكتئاب.
  • التشتت.
  • فقدان التركيز.
  • اضطرابات النوم.
  • الانعزال.
ثم جاءت مرحلة الريلز والفيديوهات القصيرة، فارتفع مستوى إدمان مواقع التواصل الاجتماعي إلى حدودٍ غير مسبوقة.

هل تتذكّر عندما ذكرنا إن من أساليب حروب الجيل الرابع تفكيك المجتمعات؟ دعني أخبرك أن مواقع التواصل الاجتماعي كانت الأداة المثالية لذلك.

فهي لم تكتفِ بسلب وقتك، بل بدأت تلغي حياتك الواقعية. أصبحت كل تفاصيل حياتك متواجدة على الإنترنت طيلة الوقت، مثل:
  • صورك.
  • أفضل الأطعمة لك.
  • رحلاتك.
  • حالتك النفسية.
باتت حياتك كلها تُعرض علنًا، لتتحوّل إلى مادةٍ يمكن تحليلها، وتصنيفها، واستغلالها لمحاربتك.

من واقعٍ حقيقي إلى واقعٍ افتراضي

اسأل نفسك:
متى كانت آخر مرة تواصلت فيها مع أحد أقاربك هاتفيًا؟

غالبًا لا تتذكّر، لأن تطبيقات المحادثة حلت محلّ العلاقات المباشرة.

دعني أسألك سؤال آخر:
هل يمكنك الخروج من المنزل دون هاتفك؟

معظم الناس لا يستطيعون ذلك. وهنا يظهر الإدمان الحقيقي. لقد تحوّلت إلى أسيرٍ داخل عالمٍ رقميٍّ تراقبه خوارزميات لا تعرف طريق للرحمة، دعني أوضح لك.

من خلال مشاركتك اليومية، تجمع المنصات عنك كمًا هائلًا من البيانات، فتكوّن ملفًا رقميًا لشخصيتك. ثم تبدأ في توجيهك داخل دائرة مغلقة من المعلومات والآراء، لتجعلك تصدّق ما تراه فقط.

ومع التكرار، تُقنعك أن رأيك هو الصواب، وتزرع فيك ما يُعرف بـ الخوف من الفقد (FOMO)، لتبقيك داخل القطيع، وبهذه الطريقة، يعاد صياغة وعيك بالكامل.

ويكفي أن تُعدّل خوارزمية ما في المحتوى الذي تراه، لتغيّر رأيك في التاريخ، أو السياسة، أو حتى الدين، وهنا ننتقل للمرحلة الأعظم، وهي تعفن عقلك.

تعفّن العقل

بمرور الوقت، تبدأ قدراتك العقلية بالضمور، وتفقد قدرتك على التركيز أو اتخاذ القرار. تشعر بمللٍ دائم، وعجزٍ عن الاستمتاع بالحياة. والسبب هو اضطراب هرمون السعادة، الدوبامين.

مواقع التواصل الاجتماعي، تُغرقك في جرعاتٍ زائفة من السعادة السريعة، وتجعل عقلك يفرز الدوبامين بلا توقّف. وبحلول الوقت الكافي، تتحوّل إلى مدمنٍ على المحتوى القصير والمثير، وتعجز عن الصبر أو العمل الحقيقي.

هذا النوع من الدوبامين، يمكن تسميته بـ "الدوبامين الرخيص" فقط متعة لحظية تسرق منك الشغف بالحياة بالكامل.

لا تتوقف مواقع التواصل الاجتماعي عند ذلك، حيث أصبحت تتسلّل المنصات ببطءٍ إلى مفاهيمك، فتعيد تعريف معاني النجاح والجمال والسعادة. أصبحت الشهرة وعدد المتابعين مقياسًا للقيمة، والمال معيارًا للكرامة، والسطحية أعظم بديلًا للجوهر.

كما خلقت جيلًا من "العبيد الرقميين" بعضهم يلهث وراء الشهرة بأي ثمن، وبعضهم يتبع المؤثرين كأنهم ملوك.

شوائب مواقع التواصل الاجتماعي

عندما لا تعود جرعات الدوبامين كافية، يبدأ المستخدم بالبحث عن ما هو أكثر إثارة، فتظهر شوائب مواقع التواصل الاجتماعي:
  • الإباحية
  • المقامرات
وتلك هي التي تُفسد الجسد والعقل والخيال معًا، وتحوّل الإنسان إلى كائنٍ هشّ بلا إرادة.

المرحلة الثانية: الذكاء الاصطناعي

حقيقة مواقع التواصل الاجتماعي | يوسف محمد
الذكاء الاصطناعي

تتذكّر ما قلته عن إمكانية استبدالك بروبوت؟ هذا لم يعد خيالًا.

الذكاء الاصطناعي اليوم يتعلّم ويفكّر ويبدع، ويدمج ملايين العقول في نظامٍ واحد، حتى يصبح قادرًا على محاكاة الإنسان بالكامل.

كما أن تصريحات بوتين كانت واضحة:
من يملك الذكاء الاصطناعي، يملك العالم بأسره.

المرحلة الأخيرة: الواقع الافتراضي

حقيقة مواقع التواصل الاجتماعي | يوسف محمد
الواقع الافتراضي

الخطوة التالية هي نقل الإنسان إلى عالمٍ بديل. عالمٍ تمتزج فيه الحقيقة بالوهم، عبر تقنيات مثل Meta Quest Pro وApple Vision Pro.

لاحظ أن مارك زوكربيرغ، قد غيّر اسم شركته إلى Meta، ودخل مجال الواقع الافتراضي والذكاء الاصطناعي معًا. إنه يسعى لبناء إمبراطورية رقمية كاملة، يتحكم فيها بالعقول والمشاعر والبيانات.

وفي الوقت الذي يتنافس فيه الغرب والصين في تطوير عدساتٍ ذكية مثل Mojo Lens، يتسابق الجميع نحو هدفٍ واحد، وهو السيطرة على الإدراك البشري، والبشر بالكامل.


الخاتمة

يا صديقي، كل ما يحدث حولنا، من مواقع التواصل الاجتماعي إلى الذكاء الاصطناعي والواقع الافتراضي، لم يكن صدفة على الإطلاق. إنها مراحل مدروسة في مشروعٍ عالميٍّ لإعادة تشكيل الوعي الإنساني.

احفظ وقتك، وراجع وعيك، ولا تسمح لأحدٍ أن يسرق عقلك منك. ربما لا نعيش حربًا بالأسلحة، لكننا بالتأكيد نعيش حرب العقول، وهي حروب الجيل الرابع.

وبهذا نكون قد وصلنا إلى نهاية حديثنا. آمل أن أكون قد أفدتك، ولم أضِع وقتك عبثًا.

ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق