كوارث التعليم في مصر | يوسف محمد
هل فكّرت يومًا ما الفائدة الحقيقية التي جنيتها من دراستك لعلوم الرياضيات، والتفاضل، والتكامل، وحساب المثلثات، وسائر فروعها؟ أما أنا، ككاتب، فلم أجد منها نفعًا يُذكر.

فلنغُص اليوم معًا في أعماق عالم التعليم، ونكشف ما وراء الكواليس، ونحاول فكّ شفرة هذا العالم الغامض. ولكن قبل ذلك، يجب أن نتّفق على أن التعليم في العالم ينقسم إلى قسمين أساسيين:
  • الأول هو المناهج الدراسية.
  • الثاني هو النظام التعليمي الذي يُطبّق هذه المناهج.
وسنبدأ حديثنا بالقسم الأول: المناهج الدراسية.

مرحبًا بك، أنا الكاتب يوسف محمد فتحي، ويمكنك الاطّلاع على رواياتي المنشورة عبر منصة "كيندل" على أمازون من هنا.

المناهج الدراسية

لنبدأ باتفاق بسيط ومنطقي: إن التعليم هدفه نشر المعرفة، والعلم نورٌ، وهذا أمر لا يختلف عليه اثنان.
لكن اسمح لي أن أطرح عليك سؤالًا:
لو كنت تسير في صحراء مظلمة وأمسكت بيدك شمعة صغيرة، هل ستكفيك تلك الشمعة لتنير الصحراء بأكملها؟
بالطبع لا. وهنا يكمن جوهر المشكلة.

فلنفترض أنك تحلم منذ طفولتك بأن تصبح مصمم جرافيك أو رسّامًا، فهل تظن أن المناهج الدراسية الحالية ستقودك إلى تحقيق هذا الحلم؟
إن كانت إجابتك "لا"، فأنت كمن يحمل شمعة في صحراء مترامية الأطراف ويظنّ أنها ستنير له كل شيء.

هنا تظهر المشكلة الأولى: كثيرون يعتقدون أن الخلل في طريقة الشرح أو في المعلم، بينما الحقيقة أن الخلل في جوهر المناهج نفسها.

كأنك تفهم اللغة العربية جيدًا لأنها تفيدك في حياتك العملية، ثم يأتيك من يقترح أن يدرّس لك جميع المواد بنفس الأسلوب لأن المدرّس جيد، فيشرح لك "العلوم" التي لا تحتاجها أبدًا في مجالك، فهل هذا منطقي؟

السؤال الجوهري هو:
ما الفائدة التي سأجنيها من معرفة تركيب العناصر الكيميائية أو الجدول الدوري أو توزيع الإلكترونات في ذرات لا أستطيع رؤيتها بعيني؟

بعد التخرج... أين الفائدة؟

لننظر إلى ما بعد الدراسة، إلى مرحلة سوق العمل.
هل المواد التي درستها طوال اثنتي عشرة سنة — وربما أكثر — ستفيدك في حياتك العملية؟
الإجابة بكل بساطة: لا.

فالسوق اليوم يطلب مهارات مختلفة تمامًا عن الماضي.
قديماً كان المطلوب موظفًا يجيد الحساب أو يتقن اللغات.
أما اليوم، فالمطلوب هو من يتقن مهارات العصر مثل التصميم الجرافيكي، والمونتاج، والبرمجة، والإخراج، وغيرها من المجالات الإبداعية.

المشكلة أن المناهج الدراسية الحالية — من فيزياء وكيمياء وأحياء وجيولوجيا — لا تمت بصلة لهذه المهارات.

بل إن إتقان إحدى هذه المهارات لا يحتاج إلى أكثر من بضعة أشهر، أو عامين في أقصى الحالات، لتصبح مصدر دخل حقيقي يفوق ما يجنيه خريج جامعي قضى ستة عشر عامًا في التعليم التقليدي.

فخلال سنوات الدراسة الطويلة تلك، يمكن لأي شخص أن يكوّن ثروة صغيرة من مهارة واحدة تعلمها ذاتيًا.

النظام التعليمي

تذكّر اتفاقنا الأول: هدف التعليم هو جمع المعلومات والاستفادة منها.
لكن الحقيقة المؤلمة أن النظام التعليمي الحالي لا يحقق هذا الهدف، وذلك بسبب نظام الامتحانات العقيم.

الامتحانات — ببساطة — عديمة الفائدة. فخلال العام الدراسي، لا يكون هدف الطالب الفهم الحقيقي، بل اجتياز الامتحان.

وما إن ينتهي الامتحان وتمضي أسابيع قليلة، حتى تتبخّر كل تلك المعلومات من الذاكرة، لتصبح المحصلة النهائية صفرًا.

التعليم اليوم يمنع الخطأ، رغم أن الخطأ هو أساس التعلّم.

كما أن الثقة بين الطالب والمنظومة تكاد تكون معدومة؛ فالمنظومة تنظر إلى الطالب على أنه كائن مستهتر، ولهذا تفرض عليه الامتحانات الصارمة، فيتحوّل تركيزه من التعلم إلى مجرد النجاح في الاختبار.

تخيّل لو كانت هناك مدرسة تُدرّس مواد تحبها دون امتحانات!
هل ستنسى ما تعلمته؟
بالطبع لا، لأنك تتعلّم بدافع الحب لا بدافع الخوف.
وهذا بالضبط ما يقدّمه التعليم الذاتي والمنزلي، الذي أثبت نجاحه في إنتاج عقول حرة ومبدعة.

الهدف الخفي من التعليم

يجب أن نعترف بأن النظام التعليمي الحديث صُمّم أساسًا لخدمة النظام الاقتصادي.
فمنذ الثورة الصناعية، كان الهدف إنتاج موظفين يعملون في المصانع والشركات.
لكن السؤال هو: لماذا تختار أن تكون الترس في الآلة، لا من اخترعها؟

المنظومة التعليمية اليوم أشبه بـ مصنع ضخم، أو "ماتريكس" تُبرمجك لتصبح موظفًا مطيعًا.

بينما هناك شخص آخر، يمتلك نفس قدراتك، لكنه اختار أن يفكّر خارج هذا الإطار، فصار هو صاحب المصنع.

الفرق بينكما ليس في الذكاء، بل في طريقة التفكير.
هو رفض أن يكون تابعًا، وأنت رضيت أن تكون جزءًا من خط إنتاج لا ينتهي.

ومع الأسف، حتى الوظائف الناتجة عن هذا الخط لا تكفل حياة كريمة.
فالراتب في الغالب لا يغطي تكلفة التعليم ذاته!

فهل ترى بعد ذلك أن هذا هو الطريق الصحيح للأجيال القادمة؟

الحل الأمثل: التعليم الذاتي

الحل يا صديقي هو التعليم الذاتي.

وهو ببساطة أن نساعد كل طفل على اكتشاف ميوله وشغفه منذ الصغر.
فعلى الوالدين أن يلاحظا ما يحبّه الطفل، ثم يوجّهان تعليمه في هذا الاتجاه، لتنشأ لدينا عقول مبدعة في مجالاتها.

بهذا الشكل، نمنح الطفل خيارين:
  • إما أن يكون ترسًا في الآلة.
  • أو مخترعًا لها.
والاختلاف هنا أن الثاني يفعل ما يحب.

لكن للتعليم الذاتي بعض التحديات، أهمها قلة الاحتكاك بالمجتمع.
وهذا يمكن تجاوزه عبر إشراك الطفل في أندية أو تجمعات تشاركه نفس الاهتمامات، ليكوّن صداقات ويطوّر مهارات التواصل.

وقد يواجه الأهل صعوبة في الإجابة عن بعض أسئلة الطفل، وهنا يأتي الحل عبر المعلم المتخصص أو عبر أدوات الذكاء الاصطناعي الحديثة، التي تستطيع أن تشرح له بطريقة تناسب عقله وتفكيره.


الخاتمة

وهكذا، نكون قد صنعنا بيئة تعليمية حرة يتعلّم فيها الطفل ما يحب، دون امتحانات معقّدة ولا مناهج جافة.
يتعلّم لأنه يحب العلم، لا لأنه يخشى الرسوب.
وبهذا يختزن المعلومات حقًا، ويبدأ في كسب المال مبكرًا، متقدّمًا بخطوات على أقرانه.

فبهذا الشكل، نصنع جيلًا مستقلًا، مبدعًا، يعرف ماذا يريد وكيف يحققه.

وبذلك أكون قد انتهيت من رحلتنا اليوم.
يمكنكم الاطلاع على رواياتي المنشورة على كيندل عبر الرابط في أسفل المقال.

ولا تنسوا اضغطوا على إعجاب، وشاركوا المقال، واشتركوا في القناة، وفعلوا الجرس ليصلكم كل جديد من هنا.

ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق